أحدث الأخبار
  • 08:05 . حلف قبائل حضرموت يحمّل أبوظبي "المسؤولية الكاملة" عن التصعيد واجتياح المحافظة... المزيد
  • 08:05 . بعد مقتل أبو شباب.. داخلية غزة تدعو المرتبطين بالاحتلال لتسليم أنفسهم... المزيد
  • 12:46 . سائح بريطاني يعبّر عن دهشته من تزايد أعداد الإسرائيليين في دبي (فيديو)... المزيد
  • 12:45 . إيران تردّ على بيان قمة مجلس التعاون الخليجي بشأن الجزر الإمارتية الثلاث... المزيد
  • 12:43 . السودان: 15 قتيلاً في هجمات للجيش و"الدعم السريع" في كردفان... المزيد
  • 11:07 . "الإمارات الصحية" تطوّر خدمات فحص اللياقة الطبية لتأشيرات الإقامة... المزيد
  • 11:06 . جيش الاحتلال يشن قصفاً مدفعياً على مناطق شرقي غزة وخان يونس... المزيد
  • 09:36 . قناة بريطانية تدفع تعويضات كبيرة نتيجة بثها ادعاءً كاذبا لـ"أمجد طه" حول منظمة الإغاثة الإسلامية... المزيد
  • 06:39 . معركة النفوذ في حضرموت.. سباق محتدم بين أبوظبي والرياض... المزيد
  • 06:22 . روائية أمريكية بارزة تقاطع "مهرجان طيران الإمارات للآداب" بسبب الحرب في السودان... المزيد
  • 05:07 . جيش الاحتلال يعلن مقتل زعيم المليشيات في غزة "ياسر أبو شباب" على يد مجهولين... المزيد
  • 11:35 . "المعاشات" تصفّر 8 خدمات رئيسية ضمن مبادرة تقليل البيروقراطية الحكومية... المزيد
  • 11:31 . "الأبيض" يخسر أمام الأردن 1–2 في افتتاح مشواره بكأس العرب... المزيد
  • 11:30 . سلطنة عُمان تنجح في إعادة طاقم سفينة "إتيرنيتي سي" من اليمن... المزيد
  • 10:12 . الإمارات تعلن تخصيص 15 مليون دولار للاستجابة للأزمة في السودان... المزيد
  • 06:56 . العفو الدولية تحث على منع أبوظبي من تسليح الدعم السريع... المزيد

فلسطين والاحتلال والمقاومة للمبتدئين

الكـاتب : جمال خاشقجي
تاريخ الخبر: 30-11--0001

في آذار (مارس) 1955 قامت وحدة من الجيش الإسرائيلي بهجوم على معسكر للجنود المصريين في قطاع غزة الذي كان في عهدة مصر بعد حرب 1948، وقتلت بدم بارد 36 منهم وجُرح 28 آخرون. أحد المنفذين كان السيئ الذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل أرييل شارون، قال إن هدف العملية «قتل جميع الجنود وتفجير كل الأسلحة الموجودة في المعسكر وتخريب كامل منشآته»، بمعنى أنه هدف عقابي وليس عسكرياً «لتوصيل رسالة للقيادة المصرية برئاسة جمال عبدالناصر تفيد بأن أية عملية فدائية جديدة ستكون نتيجتها حصيلة دامية عليها»، كما جاء في تقرير إسرائيلي رسمي سري كشف عنه قبل أعوام قليلة.

 تعلّم عبدالناصر من الدرس الإسرائيلي المؤلم، وأوقف العمليات الفدائية التي كانت تنفذها وحدات من المخابرات المصرية، وهي عمليات تثير حيرة المؤرخين، إذ إنه كان خلال الفترة نفسها يتخاطب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي موشي شاريت حول سلام بين البلدين. على كل حال، فرض عبدالناصر لاحقاً قبضته الحديدية على غزة، ومنع وطارد كل فلسطيني يفكر بالمقاومة.

 استدعِ هذه الصورة التاريخية وطبّقها على غزة اليوم.

 كشف التاريخ لاحقاً أن أول رئيس وزراء لإسرائيل ديفيد بن غوريون وضع عقيدة عسكرية لبلاده في التعامل مع محيط إسرائيل العربي الرافض لها، هي «الردع التصاعدي» بعدم التسامح مع أي عملية مقاومة، بل الرد عليها بقوة متصاعدة وعنيفة، لكي يدرك هذا المحيط الرافض أنه ما من اختيار أمامه غير القبول بإسرائيل أو رفضها مع وقف كل أشكال المقاومة، والنتيجة تقريباً واحدة، فإسرائيل لا تريد حب العرب ولا إقناعهم بحقها أن تعيش وسطهم، لأنها تعلم أن وجودها بينهم خارج سياق التاريخ والمنطق، وأنها جاءت بالقوة وستعيش بالقوة وتموت بها، وبالتالي لا بد أن تحيا وهي قابضة على الزناد. جولة على تاريخ إسرائيل والمقاومة الفلسطينية تثبت أن هذه العقيدة لا تزال قائمة، وهو ما يطبقه بكل أمانة لتراث أسلافه رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتانياهو في غزة اليوم. باختصار وبحسب عقيدة «الردع التصاعدي» فإن إسرائيل ستنكّل بالفلسطيني المقاوم في غزة حتى يستسلم مثلما فعل غيره.

 المشكلة أن إسرائيل تريد من العرب أن يتغيّروا، وهي لا تتغير، فالثابت الآخر الذي يجعل من القبول بإسرائيل والاستسلام للأمر الواقع أكثر مرارة هو «الاحتلال»، فهي متمتعة بغطاء أميركي، تتعامل مع «الاحتلال» بخليط من العنصرية والاستعلاء، فالمفاوضات التي قادها وزير الخارجية الأميركية كيري قبل أشهر فشلت، بسبب هذا الموقف الإسرائيلي من «الاحتلال» الذي تريد أن تشرعنه، وهو ما لم تستطع قبوله حتى «السلطة الوطنية» في رام الله التي استسلمت للأمر الواقع والمكاسب والثروة والامتيازات، فكيف بحركة غاضبة محاصرة مثل «حماس»، وبقدر ما تجعل هذه العقدة «السلام» مستحيلاً، فإنها تجعل «الاستسلام» أيضاً مستحيلاً.

 هذا المدخل مهم للمثقفين العرب والكتّاب الذين انبروا للهجوم على فكرة المقاومة بشكل غير مفهوم في حرب غزة الدائرة الآن، ما يستدعي تحليلاً لهذه الظاهرة الغريبة، وللأسف نصيبنا منهم نحن السعوديين أكبر من المعدل المعقول بشكل سيؤدي لو استمر إلى تدمير رصيد المملكة المشرف المؤيد والمنافح عن القضية الفلسطينية منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، ولا ينافسنا في ذلك غير الإعلام المصري والكتّاب هناك، ولكن هؤلاء لا يعوّل عليهم، إذ إنهم يمرون بحال غريبة استثنائية لا تستحق التوقف عندها وإنما انتظار عبورها.

 بطرح فج انهالوا على المقاومة الفلسطينية لوماً وتقريعاً «إنها لا تدرك التفاوت في القوى بينها وبين الإسرائيليين»، أو «إنها تريد التخفيف من الضغوط الواقعة على إيران» والأسوأ «كل ما يجري مجرد حملة علاقات عامة لاستعادة التعاطف مع الإسلام السياسي».

 إنه الاحتلال، والحرب الإسرائيلية التي لم تتوقف يوماً ضد الفلسطيني منذ 1948 كما كتب الدكتور خالد الدخيل في هذه الصحيفة الأسبوع الماضي وأنقل عنه بتصرف: «ليس هناك معنى للسؤال: كيف بدأت الحرب الدائرة حالياً على غزة؟ هل بدأتها حماس أم إسرائيل؟ متى توقفت الحرب الإسرائيلية على كل الفلسطينيين، بما في ذلك غزة؟ الحرب لا تكون دائماً بإطلاق القذائف والصواريخ وحمم القنابل العنقودية والفوسفورية، تكون أيضاً بالاغتيالات، وتهديم المنازل، وسرقة الأرض، والاستيطان، والاعتقالات، والتهجير القسري، والإذلال على نقاط التفتيش المنتشرة في كل الأراضي الفلسطينية. ثم بعد ذلك شيطنة الضحية بأنه إرهابي يرفض الاعتراف بحق قيام دولة يهودية. من هذه الزاوية لم تتوقف الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين منذ 1948 حتى هذه اللحظة. كل ما في الأمر أن هذه الحرب تأخذ أحياناً شكل الصراع المنخفض الحدة، وأحياناً أخرى تصبح حرباً عسكرية شاملة، إسرائيل دائماً هي التي تقرر متى وكيف يكون الانتقال من هذه الحال إلى تلك».

 في ذلك الصباح من 1955 لم تكن هناك إيران ولا إسلام سياسي، وإنما زعيم مصري شاب يريد أن يفاوض الإسرائيليين ويضغط عليهم مستخدماً سلاح المقاومة، فتعرّض لبعض ما تتعرض له «حماس» اليوم، فاستسلم لحقائق الأمر الواقع، فترك غزة لمصيرها ومعها كل فلسطين، أما «حماس» وبقية الغزاويين فهم في سجن كبير، لا يستطيعون مغادرة وطنهم حتى لو أرادوا، لأنه وطنهم، ولأنه سجنهم الكبير بقرار إسرائيلي عنصري استعلائي، وبقبولنا الضمني.

 ويبقى السؤال حول تلك النزعة الطارئة المعادية للمقاومة التي انتشرت بين كتّاب عابرين في زمن عابر، لا أجد لها تفسيراً غير «أنتم تحرجوننا بالمقاومة، لقد استسلمنا فلِمَ لا تفعلون مثلنا؟».