أحدث الأخبار
  • 12:46 . سائح بريطاني يعبّر عن دهشته من تزايد أعداد الإسرائيليين في دبي (فيديو)... المزيد
  • 12:45 . إيران تردّ على بيان قمة مجلس التعاون الخليجي بشأن الجزر الإمارتية الثلاث... المزيد
  • 12:43 . السودان: 15 قتيلاً في هجمات للجيش و"الدعم السريع" في كردفان... المزيد
  • 11:07 . "الإمارات الصحية" تطوّر خدمات فحص اللياقة الطبية لتأشيرات الإقامة... المزيد
  • 11:06 . جيش الاحتلال يشن قصفاً مدفعياً على مناطق شرقي غزة وخان يونس... المزيد
  • 09:36 . قناة بريطانية تدفع تعويضات كبيرة نتيجة بثها ادعاءً كاذبا لـ"أمجد طه" حول منظمة الإغاثة الإسلامية... المزيد
  • 06:39 . معركة النفوذ في حضرموت.. سباق محتدم بين أبوظبي والرياض... المزيد
  • 06:22 . روائية أمريكية بارزة تقاطع "مهرجان طيران الإمارات للآداب" بسبب الحرب في السودان... المزيد
  • 05:07 . جيش الاحتلال يعلن مقتل زعيم المليشيات في غزة "ياسر أبو شباب" على يد مجهولين... المزيد
  • 11:35 . "المعاشات" تصفّر 8 خدمات رئيسية ضمن مبادرة تقليل البيروقراطية الحكومية... المزيد
  • 11:31 . "الأبيض" يخسر أمام الأردن 1–2 في افتتاح مشواره بكأس العرب... المزيد
  • 11:30 . سلطنة عُمان تنجح في إعادة طاقم سفينة "إتيرنيتي سي" من اليمن... المزيد
  • 10:12 . الإمارات تعلن تخصيص 15 مليون دولار للاستجابة للأزمة في السودان... المزيد
  • 06:56 . العفو الدولية تحث على منع أبوظبي من تسليح الدعم السريع... المزيد
  • 06:07 . اليمن.. قوات موالية لأبوظبي تسيطر على عاصمة وادي حضرموت ووفد سعودي يصل لاحتواء التوتر... المزيد
  • 11:58 . مفتي عُمان: العدوان على غزة يتصاعد رغم الاتفاق وندعو لتحرك دولي عاجل... المزيد

هل خُلِقْنا لنَحزن؟

الكـاتب : ياسر حارب
تاريخ الخبر: 30-11--0001

ياسر حارب

كتب شكْسبير في مسرحيته (ماكبث) على لسان مالكوم: «أعطِ الحُزْن كلمات؛ فالحزن الذي لا يُعبَّرُ عنه بالكلام يهمس إلى القلب ويحاول كسره». فالحُزنُ هو أقوى المشاعر الإنسانية التي يحاول كثير من البشر، دون أن يشعروا، اجتراره مِن الماضي.

فكُلّنا فارق قريباً أو حبيباً، ولا ننفكُ نتذكر أولئك الأحباب وننكسر حُزْناً عليهم. وتلك طبيعة بشرية، ولكنها لا تكون طبيعية عندما يقتاتُ الإنسان عليها. وخصوصاً إذا صارت فِكْر أمّة بأكملها، ومادة سائغة لبائعي الحكايات، والمتاجرين باسم الدين. ادخل يوتيوب الآن وابحث عن الأسماء اللامعة في مجال «الوعظ» الديني، واستمع إلى مواعظهم. ولا تقف عند واحد فقط، بل اختر خمسة، عشرة، عشرين.

أو أي عدد شئت، وشاهد من حلقاتهم واستمع إلى مواعظهم قدر ما شئت، ثم اسأل نفسك: هل ساعدك أحدهم على التميز في حياتك؟ هل نصحك أحدهم بتطوير مهاراتك وتوسعة مداركك؟ وإن قُلتَ في نفسكَ «ولكن هذه ليست وظيفتهم!» فسأفترض بأنني اتفقتُ معك، لثوانٍ فقط، في هذا القول، ولكن اسأل نفسك مرة أخرى: هل تشعرُ بأنك متفائلٌ في الحياة؟ هل تشعر بأنك تُحب الدين وتُحب الله أكثر؟ هل تشعر بالرغبة في نشر المحبة والسلام والتسامح بين الناس؟ وكيف تنظر إلى الآخر المختلف عنك ديناً ومذهباً وعِرْقاً؟

أسئلة كثيرة نغفل عنها، وربما نخاف من طرحها. نُسلم عقولنا، وهي أغلى ما نملك، لكل من ظهر على الشاشات وتصدّر المشهد الإعلامي وادّعى أنه يدعونا إلى الهداية.

وسؤالي هو: لماذا يجب أن تكون الدعوة حزينة دائماً؟ لماذا يحاول كثير من الوعاظ والدعاة أن يَفْطِروا قلب المُتلقّي ويُبكوه في مواعظهم؟ هل لن نستطيع أن نُحب الله ورسوله عليه الصلاة والسلام إلا إذا بكينا وحزنّا؟ كيف وقد قال سبحانه وتعالى عن نفسه في سورة النور «الله نور السموات والأرض» والنور لا يدل إلا على السعادة والتفاؤل والمحبة.

يقول الشيخ الشعراوي في تفسير هذه الآية: «كما نقول، ولله المثل الأعلى، فلان نوَّر البيت، فالآية لا تُعرِّف الله لنا، إنما تُعرِّفنا أثره تعالى فينا، فهو سبحانه مُنوِّر السموات والأرض، وهما أوسع شيء نتصوره، بحيث يكون كل شيء فيهما واضحاً غيرَ خفيّ»، فكيف إذاً يُحدّثنا المحدثون عن النور بأسلوب ظلامي، وبطريقة مخيفة، وبكلمات قاسية وبصور مُرْعِبة!

في فنّ كتابة الرواية يُعْرَف «الإحباط» كأفضل عاطفة لجعل القارئ يستمر في القراءة. وكلما أحبطه الكاتب استمر القارئ يبحث عن أمل لخروج بطل الرواية من قاعه المظلم السحيق الذي يصر الكاتب على دَحْضِهِ فيه. ولذلك فإن من أكثر الروايات مبيعاً في تاريخ البشر هي روايات الإنجليزي تشارلز ديكنز المُلقّب بأديب البؤس.

ورغم تشابه أعماله فإنها الأكثر مبيعاً، فمن يقرأ (أوليفر تويست) و(ديفيد كوبرفيلد) يجد تشابهاً كبيراً بين الروايتين، فكلا الفتيين يُتِّم وهو صغير، وكلاهما أُجبِر على العمل في سنّ مبكرة جداً، إلا أن كُتُبَهُ قد بيعت منها مئات الملايين من النسخ منذ وفاته وحتى اليوم، وهناك من يقدر بأنها أكثر من 350 مليوناً ومن يقدر بأنها نصف مليار كتاب! والسبب هو الإحباط والكآبة اللتان تتسم بهما معظم أعمال ديكنز. ولذلك لا نستغرب أن أشهر الوُعّاظ اليوم هم أكثرهم بكاءً ععى الشاشات.

وحتى لا يُفسّر كلامي في غير محله، فالمشكلة عندي ليست في البكاء ولا حتى في «التّبَكْبُك»، ولكنها في حصر الدين والتدين بالحزن واليأس، وفي إغراق ذهن الأمة في الوعظ ولا شيء غيره، فتجدها بعيدة كل البعد عن واقعها، فلا يحمل أفرادها فهماً لسياقات عصرهم، وبالتالي ينظرون إلى الحياة وقضاياها بسذاجة وسطحية غير مسبوقة؛ لأن ما يُقدم لهم ليس فكراً ولا عِلْماً!

وبسبب الظلام والكآبة التي يبثّها كثير من الوعاظ، هداهم الله، في فكر الأمة، فإن الجيل الجديد بدأ ينفر من كل شيء له علاقة بالدين، فيعود أولئك الوعاظ ويستخدمون قصصاً وكرامات مبالغ فيها حتى يكاد أحدنا يظن أنه يستمع إلى قصة من قصص اللاهوت الإغريقي (الميثولوجيا الإغريقية)! أعلمُ أن مِن وُعاظ الأمة النّوراني الداعي إلى التفاؤل والرضا، والباعث للأمل والمُشجّع على العمل، ولكن أمثال هؤلاء ليسوا فقط قلّة، ولكنهم أيضاً بعيدون عن منابر الإعلام، وبالتالي، عن التأثير في شباب الأمة وفتياتها.

إن من يستخدم الحزن والإحباط للدعوة إلى الله في زمنٍ يتصل فيه الإنسان بمختلف ثقافات العالم ويرى كل شيء وهو جالس في بيته، إنما يُنفّر المسلم من دينه، ويُحبط الهمة في داخله، في وقتٍ هو أشد حاجة فيه لرفع معنوياته، وتشجيعه على التطوير والعطاء والبذل والتنافس مع العالم؛ بالمعرفة والذكاء والاجتهاد.

 دعوتي إلى هؤلاء الوُعّاظ الأفاضل هي: إذا أردتم أُمّة ناهضة فلا تثبّطوا روحها بألسنتكم، وإذا أردتم جيلاً عالمياً فلا تجلدوه بالتقريع والتأنيب، وإذا أردتم للناس النجاة من نار الآخرة، فلا تُحرقوا قلوبهم بها في الدنيا.